آخر الأخبار

الغيبة والنميمة في جامع الفقهاء


د . ضيف الله مهدي

في خطبة اليوم الجمعة الموافق ١٦ محرم من عام ١٤٤٧هـ في جامع الفقهاء بمحافظة بيش ، كان الخطيب الشيخ الأستاذ حسن بن يحيى الأعجم يتحدث عن الغيبة والنميمة والكذب والإشاعات ، وقد أجاد وأفاد واستدل بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية .. وكنت أستمع للخطبة وتذكرت أنني قد كتبت عن الغيبة والنميمة في وقت سابق ما يلي :

الغِيبَة : هي ذكر الشخص بما يكره من العيوب التي فيه في غَيْبَته بلفظٍ، أو إشارةٍ، أو محاكاة. وهي خُلق نهي عنه الإسلام.

والغِيبة لغويا هي : الوَقيعة في النَّاس؛ لأنَّها لا تقال إلا في غَيْبَة، يقال: اغتابه اغتيابًا إذا وقع فيه وذكره بما يكره من العيوب وهو حق، والاسم الغيبة، وهي ذكر العيب بظهر الغيب، وغابَه: عابه، وذكره بما فيه من السُّوء، كاغتابه .

الفرق بين الغيبة والبهتان والنميمة

الغِيبة : هي ذكر المسلم في غَيْبَته بما فيه مما يكره نشره وذِكر .

البهتان : ذِكر المسلم بما ليس فيه وهو الكذب في القول عليه .

النميمة : هي نقل الكلام من طرف لآخر للإيقاع بينهما .

النميمة لغةً:

النَّمُّ: رَفْع الحديثِ على وجه الإشاعةِ والإفْسادِ. وقيل: تَزْيينُ الكلام بالكذب. من نمَّ يَنِمُّ ويَنُمُّ، فهو نَمومٌ ونَمَّامٌ ومِنَمٌّ، ونَمٌّ، من قَوْمٍ نَمِّينَ وأنِمَّاءَ ونُمٍّ، وهي نَمَّةٌ، ويقال للنَّمَّام القَتَّاتُ، ونَمَّامٌ مُبَالَغَةٌ، والاسمُ النَّمِيمَة، وأصل هذه المادة يدلُّ على إظهار شيء وإبرازه.

والنَّمِيمَة اصطلاحًا:

(نَقْلُ الحديث من قومٍ إلى قوم على جهة الإفْسادِ والشَّرِّ).

وعرفها الغزالي بقوله: (إفشاء السرِّ، وهتك الستر عما يكره كشفه).

وقيل هي: (التحريش بين النَّاس والسعي بينهم بالإفساد).

قال عز وجل (في سورة القلم): (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ  ()هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ () مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ()عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ )

جاء في تفسير ابن كثير: قوله تعالى (مشاءٍ بنميم)، أي: الذي يمشي بين الناس ويحرش بينهم وينقل الحديث لفساد ذات البين، وهي الحالقة). وقال تعالى (في سورة الهمزة): ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ )

قيل: (اللُّمزة: النَّمَّام). عن أبي الجوزاء، قال: قلت لابن عباس: من هؤلاء؟ هم الذين بدأهم الله بالويل؟ قال: هم المشاءون بالنَّمِيمَة، المفرِّقون بين الأحبَّة، الباغون أكبر العيب

يقول أبو العباس عبد الله بن العبَّاس رضي الله تعالى عنهما : ( مرَّ النَّبي بقبرين، فقال: إنَّهما ليعذَّبان، وما يعذَّبان في كبير أمَّا أحدهما: فكان لا يستتر من البول، وأمَّا الآخر: فكان يمشي بالنَّمِيمَة فأخذ جريدة رطبة، فشقَّها نصفين، فغرز في كلِّ قبر واحدة فقالوا: يا رسول الله، لم فعلت هذا؟ قال: لعلَّه يخفِّف عنهما ما لم ييبسا).

قال رجل لعمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: (يا أمير المؤمنين، احذر قاتل الثَّلاثة، قال: ويلك، من قاتل الثَّلاثة؟ قال: الرَّجل يأتي الإمام بالحديث الكذب، فيقتل الإمام ذلك الرَّجل بحديث هذا الكذَّاب، ليكون قد قتل نفسه، وصاحبه، وإمامه).

- وروي أنَّ سليمان بن عبد الملك كان جالسًا وعنده الزهري، فجاءه رجل فقال له سليمان: بلغني أنَّك وقعت فيَّ، وقلت كذا وكذا. فقال الرجل: ما فعلت ولا قلت. فقال سليمان: إن الذي أخبرني صادق، فقال له الزهري: لا يكون النَّمام صادقًا. فقال سليمان: صدقت، ثُمَّ قال للرجل: اذهب بسلام.

- وقال الحسن: (من نمَّ إليك نمَّ عليك).

- وعن عطاء بن السَّائب، قال:( قدمت من مكَّة، فلقيني الشَّعبيُّ، فقال: يا أبا زيدٍ! أطرفنا ممَّا سمعت بمكَّة، فقلت: سمعت عبد الرَّحمن بن سابطٍ يقول: لا يسكن مكَّة سافك دمٍ، ولا آكل ربًا، ولا مشَّاءٍ بنميمةٍ، فعجبت منه حين عدل النَّمِيمَة بسفك الدَّم وأكل الرِّبا، فقال الشَّعبيُّ: وما يعجبك من هذا؟! وهل يسفك الدَّم وتركب العظائم إلَّا بالنَّمِيمَة؟!)

- وقال ابن حزم: (وما في جميع الناس شرٌّ من الوشاة، وهم النَّمَّامون، وإنَّ النَّمِيمَة لطبع يدلُّ على نتن الأصل، ورداءة الفرع، وفساد الطبع، وخبث النشأة، ولابد لصاحبه من الكذب؛ والنَّمِيمَة فرع من فروع الكذب، ونوع من أنواعه، وكلُّ نمام كذاب).

- ويقال: " عمل النَّمام أضرُّ من عمل الشيطان، فإنَّ عمل الشيطان بالوسوسة، وعمل النَّمام بالمواجهة" .

-ىقال بعض العلماء: " يُفسدُ النَّمَّام في ساعة ما لا يفسد الساحر في شهر، ولترغيب الشارع في الإصلاح بين الناس أباح الكذب فيه، ولزجره على الإفساد حرم الصدق فيه ".

وفي الغيبة قال الله تعالى :  ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ) - سورة الحجرات:12

في السنة النبوية

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم؛ قال: ( ذكرك أخاك بما يكره ) قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: ( إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ، يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عورات المسلمين يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه وهو في بيته).

عن عائشة قالت : قلتُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم حسبُك من صفيةَ كذا وكذا, قال: غيرُ مُسَدِّدٍ تعني قصيرةً. فقال: ( لقد قلتِ كلِمَةً لو مُزِجت بماءِ البحرِ لمزجته) قالت: وحكيْتُ له إنسانًا , فقال: ما أُحِبُّ أني حَكيْتُ إنسانًا وأن لي كذا وكذا.

عن أنس عن النبي صلى صلى الله عليه وسلم  أنه قال : ( لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم ، قلت : من هؤلاء يا جبريل؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم ).

والقائل والمستمع للغيبة سواء، قال عتبة بن أبي سفيان لابنه عمرو: "يا بني نزِّه نفسك عن الخنا، كما تنزه لسانك عن البذا، فإن المستمع شريك القائل".

والغيبة من الكبائر في الإسلام ، وكفارتها التوبة والندم، والاعتذار لمن حدثت في حقه الغيبة إن كانت الغيبة قد بلغت الرجل . 

وإشاعة الأكاذيب من الحروب النفسية التي يستخدمها البعض ليضعف ثقة وقوة المجتمع والجيش المواجه له ، وخطرها عظيم .

والكذب مفتاح الخبائث ، وقد فطر الإنسان على الصدق ، ولم يكتسبه من البيئة المحيطة به مثل الكذب .. قال الله تعالى يحث المؤمنين : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} التوبة 119

عَنْ ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال إن الصدق يهدي إِلَى البر وإن البر يهدي إِلَى الجنة؛ وإنالرجل ليصدق حتى يكتب عند اللَّه صديقا، وإن الكذب يهدي إِلَى الفجور وإن الفجور يهدي إِلَى النار؛ وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عنداللَّه كذابا ) مُتَّفّقٌ عَلَيْه.

أحدث أقدم